رحلة القاروص إلى الفضاء مشروع لتربية الأسماك على سطح القمر
إعداد/ محمد شهاب
كتب محمود العزبة:
من أحواض المياه الهادئة في منشأة بحثية متواضعة تقع على أطراف بلدة «بالافاس لي فلوت» جنوب فرنسا، تختمر فكرة قد تغير مستقبل الغذاء لرواد الفضاء، إذ تعمل مجموعة من العلماء على تجهيز أسماك القاروص كي تصبح جزءًا من أكثر التجارب العلمية طموحًا وغرابةً في تاريخ استكشاف الفضاء.
الاكتفاء الغذائي على الفضاء
تعتبر هذه الأسماك النواة الأولى لمشروع علمي يحمل اسم: «Lunar Hatch»، أو «الفقس القمري»، ويقوده الدكتور سيريل برزيبيلا، الباحث في علم الأحياء البحرية لدى المعهد الوطني الفرنسي لأبحاث المحيطات «إيفريمير»، الذي يُشرف على نمو هذه الأسماك بعين الباحث الحذِر، وقلب الأب القَلِق.
يقول برزيبيلا، في حديثه لصحيفة «ذا جارديان»، إن الأسماك مصدر مثالي للبروتين، غنيّة بأوميجا 3، وفيتامينات ب، وهي مواد أساسية للحفاظ على عضلات رواد الفضاء في بيئات تنعدم فيها الجاذبية، لكن السؤال هو: «كيف ننتج الغذاء في مكان بعيد جدًا عن الأرض؟».
الإجابة قد تكون في فكرة غير مسبوقة، تتمثل في إرسال بيض القاروص المخصب إلى الفضاء، حيث ستصل البيوض إلى نقطة الفقس، وستبدأ الحياة البحرية الأولى خارج كوكب الأرض.
رحلة «القاروص» نحو الفضاء
يبدو الأمر كحلم من أحلام الخيال العلمي، لكن المشروع يسير بخطى علمية دقيقة، في البداية ستُرسل البيوض وتُراقب الأسماك في بيئة الفضاء قبل أن تُعاد مجمدة إلى الأرض، ثم يصل العلماء إلى الهدف النهائي الأكثر طموحًا، وهو تربية الأسماك مباشرة على سطح القمر، وربما لاحقًا على سطح المريخ. استغرقت هذه الفكرة سنوات من التجارب، فمنذ أن طرحت وكالة الفضاء الأوروبية عام 2016 فكرة بناء «قرية القمر»، بدأ برزيبيلا بصياغة مشروعه، وفي عام 2018 حصل على أول تمويل من المركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية «CNES».
كيف يمكن للأسماك أن تسبح على القمر؟
تتمثل أولى التحديات في إثبات أن بيض القاروص يمكنه تحمّل قسوة الإطلاق إلى الفضاء، فاستعان الفريق بمختبر تابع لجامعة «مونبلييه» لمحاكاة الاهتزازات العنيفة لصاروخ «سويوز» الروسي، وتبين أن الأجنة لم تتأثر. تبع ذلك تجارب لفهم تأثيرات الجاذبية الفائقة، والإشعاع الكوني، والتغيرات الجينية المحتملة في أثناء الرحلة، وكانت النتيجة إيجابية، فالأسماك يمكنها النجاة.
سباق نحو المستقبل
لا يتوقف مشروع «Lunar Hatch» عند إرسال الأسماك إلى القمر، بل يهدف إلى إنشاء نظام غذائي دائري مغلق، حيث يُعاد تدوير كل عنصر داخل منظومة متكاملة، على النحو التالي:
• تُستخدم مياه الجليد من فوهات القمر لملء الخزانات.
• تتحول فضلات الأسماك إلى غذاء للطحالب، ثم تُغذى عليها الكائنات المُرشّحة مثل العوالق أو ذوات الصدفتين.
• تُربّى روبيان صغير وديدان على براز الأسماك، لتعود فتُستخدم كعلف لها.
• بهذه الطريقة لا يُهدر شيء، فكل عنصر يُعاد تدويره في دورة بيئية مغلقة يمكنها أن تعمل بشكل تلقائي لعدة أشهر دون تدخل بشري.
تحديات أمام مشروع المزارع السمكية في الفضاء
حسب تقديرات الفريق، سيكون على المشروع إنتاج نحو 200 سمكة قاروص لإطعام 7 رواد فضاء بحصتين من السمك أسبوعيًا خلال مهمة تستغرق 16 أسبوعًا، وبرغم وجود تجارب سابقة على إرسال أسماك إلى الفضاء، مثل أسماك «الموميتشوج»، في بعثة أبولو عام 1973، وأسماك الزرد التي أرسلتها الصين لمحطة تيانجونج الفضائية، فإن «Lunar Hatch» هو المشروع الأول الذي يستهدف الاكتفاء الذاتي الغذائي من الأسماك في الفضاء.
وينتظر المشروع إشارة بدء تنفيذ التجربة من وكالة CNES ومركز كينيدي الفضائي في فلوريدا بأمريكا، ويواجه منافسة شرسة، إذ أعلنت الصين هي الأخرى عن اهتمامها بتطوير أنظمة تربية أحياء مائية مغلقة لمحطتها الفضائية.
بجانب القمر.. فوائد للأرض أيضًا
ومع أن التركيز منصبّ على القمر، فإن فوائد المشروع تمتد إلى الأرض، فالزراعة المائية الدائرية التي يطوّرها فريق Lunar Hatch قابلة للتطبيق في المناطق المعزولة على كوكبنا، حيث يمكن أن تُستخدم لإطعام المجتمعات المحرومة من الموارد الطبيعية، وتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية في آنٍ واحد.
كيف تدعم التجارب العلمية رواد الفضاء المستقبليين على القمر؟
ما هي أهمية المياه على سطح القمر لاستكشاف البشر؟
ما هي أحدث التطورات في استكشاف كوكب المريخ؟
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه مهام استكشاف الكواكب الأخرى؟
كيف يمكن استخدام المعرفة المكتسبة من الفضاء لحل مشكلات على الأرض؟