ظهرت في القرن الماضي بعض التغيرات في البيئة، وأرتبطت هذه التغيرات بالنمو الصناعي السريع وتطور التكنولوجيا التي بدورها أدت إلى تدمير البيئة الطبيعية. وقد أدى تلوث المياه والتربة والهواء إلى تهديد الكائنات الحية والإنسان، لذلك كان من الضروري أن نقوم بدراسة آثار هذا التلوث على هذه الكائنات، ولا نكتفي بدراسة آثار هذه الملوثات وتقدير كميتها في الهواء والماء والتربة فقط لأن ذلك غير كافي لتقييم تأثير هذه الملوثات على الكائنات الحية، وذلك لأن حساسية هذه الكائنات للملوثات تعتبر من الخصائص الأساسية للكائنات الحية. إذا أردنا قياس مدى التلوث في مكان ما إستناداً فقط على القياسات الكيميائية فإن ذلك سيكون صعباً نتيجة عدد كبير من الأسباب منها وجود عدد كبير من المواد الخطرة الملوثة للبيئة، والصعوبات التي تواجه الباحثين في تقييم آثارها، الإختلافات الزمنية والمكانية الكبيرة في توزيع هذه الملوثات، وإرتفاع تكلفة أدوات القياس، قلة عدد الجهات التي لديها الإمكانيات لقياس هذه الملوثات.
لذلك أتجه العالم لإستخدام هذه الكائنات الحية لتقييم التلوث البيئي بما يسمى بالمؤشرات الحيوية أو الرصد الحيوي حيث أن الكائنات الحية تتفاعل مع الحمل الزائد لتلك المواد الخطرة فتغير في وظائفها الحيوية، ويطلق عليها (كائنات حية ذات مؤشر حيوي حساس) أو أن تتراكم هذه المواد بداخل أنسجتها ويطلق عليها (كائنات حية ذات مؤشر حيوي تراكمي).
- يشمل الرصد البيولوجي إستخدام الكائنات الحية نفسها أو فصائلها أو طوائفها في تقييم مدى التلوث وكميتة. عامة يتم إستخدام اللافقاريات القاعية الكبيرة، والأسماك، والطحالب كمؤشرات بيولوجية. كما أنه قامت بعض الدراسات بإستخدام نباتات مائية معينة كمؤشر لزيادة بعض المواد الغذائية في الماء والتي تعتبر ملوثاً في هذه الحالة. هناك أيضاً بعض الدراسات لاحظت وجود تغيرات بيوكيميائية ووراثية وظاهريه وفسيولوجية في بعض الأسماك نتيجة لبعض الضغوط البيئية الناتجة عن أنواع معينة من التلوث فتم إستخدامها كمؤشرات حيوية للتلوث.
- فمثلاً إذا تحدثنا عن البيئة المائية فإن وجود أو غياب نوع معين من الأسماك أو الطحالب أو النباتات المائية يعكس الظروف البيئية. فمثلاً غياب نوع أو فصيل من هذه الكائنات في منطقة معينة لا يعني وجود تلوث بالمعني المفهوم ولكن يمكن أن يرجع ذلك لسبب آخر مثل الإفتراس أو المنافسة على الطعام أو بعض العوامل الجغرافية التي منعتها من التواجد في تلك المناطق. على العكس فإن غياب أنواع متعددة من الأسماك لها نفس قدرة التحمل لملوث معين والتي كانت موجودة سابقاً في نفس الموقع هو أكثر دلالة على وجود تلوث في هذه المنطقة. لذلك فمن الضروري بشكل واضح معرفة أي الأنواع يجب أن نعثر عليها في هذه الموقع أو في هذا النظام.
- إن هذه الكائنات الحية كمؤشرات حيوية تعمل كأدوات إنذار لزيادة مستويات التلوث. ويمكن تعريف المؤشرات الحيوية على إنها مقاييس لمدي تعرضها للملوثات الكيميائية والفيزيائية وإختلاف خصائصها الفسيولوجية والسلوكية والوراثية والمناعية والجزيئية. ويمكن تصنيف المؤشرات الحيوية في 4 مجموعات رئيسية بعد تعرض الكائن للتلوث وظهور الأعراض المرضية وبعض الأمراض عليه وهناك تداخل كبير بين كل مجموعة وهي كالتالي:
أ- الجرعة الداخلية كمية المادة الكيماوية أو خليط منها تم إمتصاصة أو دخوله لجسم الكائن الحي سواء ملجم/ كجم من وزنه بعد تعرضه للهواء أو الماء أو التربة. وهنا يتم تقييم التعرض لهذه الملوثات عن طريق قياس تركيزات هذه الملوثات في الدم أو في أنسجة الكائن الحي مثل تراكم بعض العناصر الثقيلة داخل أنسجة الأسماك والنباتات المائية والطحالب.
ب- الجرعة الحيوية الفعالة وتعني دخول بعض المواد الكيميائية إلى النظام البيولوجي للكائن ويقوم الكائن بإستخدامها في عمليات البناء أو تتراكم هذه المواد في بعض الأنسجة أو أعضاء معينة على سبيل المثال مما يؤدي إلى تغيير في نشاط إنزيم معين أو تغيير في بعض الوظائف الحيوية لهذه الأعضاء فتسمى هذه المواد في هذه الحالة بالجرعة الحيوية الفعالة لأنها أحدثت تغييرات داخل جسم الكائن الحي مثل تراكم عنصر الفوسفات أو النيتروجين في أنسجة الطحالب والنباتات المائية وتقوم بإستخدامها في عملية البناء الضوئي وبناء أنسجتها.
ج- الآثار ما قبل ظهور المرض وتعني ظهور بعض القرح المرضية وهذا يؤكد على وجود أثار ضارة من التلوث أو حدوث تغيير في التركيب أو في وظيفة النظام البيولوجي مثل ظهور بعض القرح على الأسماك نتيجة للتلوث بأي ملوث نتيجة لضعف المناعة ويتبعها ظهور الأمراض مثل الاستسقاء الناتج عن التلوث ببعض العناصر الثقيلة.
د- القابلية أو الحساسية وتعني حدوث سلسلة من التأثيرات البيولوجية، مثل التغيرات الأولية الحيوية للانزيم، النظام، الجزيئات الحيوية او حدوث تغير في الوظيفة أو التركيب لأي جهاز حيوي أو حدوث بعض التغيرات الصحية السلبية
أو أمراض أو إنتكاسة عصبية مثل معاملة الأسماك بهرمون الذكورة لتحويلها لذكور فقط وهذا يعتبر تلوث في حد ذاته. من أكثر المواد الكيميائية إنتشاراً في البيئة المائية المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية والمواد الهيدروكربونية البترولية وبعض المواد الأخرى. بالنسبة للمعادن الثقيلة في النظام المائي فيمكن أن تنتج بشكل طبيعي من التربة أو الصخور الموجودة في الماء فعلى سبيل المثال تنتشر المعادن الثقيلة على نطاق واسع في البيئة المائية ومعظمها يصل في نهاية المطاف إلى طبقات التربة السطحية نتيجة للسلوك البشري الخاطئ والمفرط في إستعمال المبيدات والسيارات والمواد الخطر.
وعلى النقيض من المركبات العضوية الضارة فإن المعادن الثقيلة لا تتحلل ولا تختفي من التربة. ولذلك، فإن ثأثير التلوث
بالمعادن الثقيلة على الكائنات الحية في التربة وعمليات التحلل تستمر لسنوات طويلة. لذلك قام بعض الباحثين بتقييم التلوث في تربة البيئة المائية عن طريق أخذ عينات حيه مثل الأسماك والطحالب والقواقع وعمل التحليلات اللازمة لها لتقدير هذه الملوثات بها وبذلك يمكن عمل التقارير العلمية وإصدار التوصيات الخاصة بهذه المناطق. تطور الصناعة والأساليب الحديثة في الزراعة وسلوك الإنسان الخاطئ كصرف مياه الصرف الصحي في المياه العذبة بما فيها من معادن ثقيلة ساعد على الزيادة السريعة في إنتشار التلوث البيئي بهذه المعادن.
التحليل الكيميائي للتركيب البيئي مثل المياه والتربة هو الطريقة المباشرة للكشف عن التلوث بالمعادن الثقيلة في البيئة، في حين أنه لا يمكن يعطي تأكيداً على أنه هو المؤثر الوحيد على تسمم الكائنات الحية وإختلال النظم البيئية. الرصد البيولوجي هي طريقة وتقنية علمية لتقييم التلوث البيئي كتعرض الإنسان للمواد الكيميائية، وذلك مبني على أساس أخذ العينات من الأسماك والطحالب والنباتات المائية وتحليل أنسجتها وسوائل الجسم. نستفيد من هذه التقنية معرفة ما إذا كانت المواد الكيميائية التي دخلت داخل هذه الكائنات تركت علامات تعكس التعرض لها أم لا. قد تكون العلامة هي وجود المادة الكيميائية ذاتها داخل الكائن الحي أو قد يكون أيضاً أحد نواتج تحللها أو حدوث بعض التغيرات البيولوجية في الكائنات الحية التي هي نتيجة لعمل هذه المادة الكيميائية. نتائج هذه القياسات التقنية توفر معلومات حول كمية المواد الكيميائية الطبيعية والتي هي من صنع الإنسان التي دخلت وبقيت في الكائنات الحية والآثار الناجمة عنها، و توفر هذه التقنية «الرصد البيولوجي » مباشرة الآثار المحتملة والسمية الفعلية المتوقعة للملوثات إعتماداً على نوع الكائن المختار ومساحة البيئة التي يعيش فيها مما يعكس درجة خطورة هذه الملوثات على البيئة.
ونظراً للقلق المتزايد حول التلوث الكيميائي للبيئة هناك إهتمام متزايد في الأوساط العلمية والوكالات الدولية لرصد تلوث البيئة وتقييمه.
وعلى نطاق دولي ومن منطلق الحاجة لعمل تقييم متكامل لمخاطر التلوث الكيميائي على الانسان والبيئة قامت أربعة منظمات عالمية مهمه جدا بإصدار هذا التقييم وهم: منظمة الصحة العالمية ( WHO ) من خلال برنامجها الدولي للسلامة الكيميائية ( IPCS )، الهيئة المركزية في مجال حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكالة حماية البيئة،(EPA) والاتحاد الأوروبي من خلال وكالة حماية البيئة، والعديد من التوجيهات البيئية، و منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باريس ( OECD ) والتي تتعامل مع القضايا العالمية للسلامة الكيميائية والصناعات الكيميائية. والهدف من ذلك هو تحسين جودة القياسات البيئية، وتشمل المؤشرات الحيوية الهامة، وتحسين تقييم المخاطر وإدارتها ووضع الأسس والحدود المسموح بها.